بحـث
المواضيع الأخيرة
محتارة في اختيار التخصص
صفحة 1 من اصل 1
محتارة في اختيار التخصص
السؤال
السلام عليْكم ورحمة الله وبركاته،
بعد انقِطاع طويلٍ عنِ الدراسة عُدتُ إليْها الآن، وقدِ اخترتُ مبدئيًّا تخصُّص التفسير إلاَّ أنَّ الجميع ينصحُني باختِيار الشَّريعة، وأنا محتارة أُريد أن أخْتار الأوْلى في حقِّي، خصوصًا أنِّي لنْ أتَمكَّن من دِراسة الشَّريعة إلاَّ عن طريق الجامعة، فهل أحوِّل من الآن إليْها أم أظلُّ في تخصُّصي الذي اخترْتُه؟
فقطْ أُريد الأوْلى في حقي وأنا في هذه السِّن.
الشِّق الثَّاني منَ الاستِشارة: فقط هل هُناك من العُلماء مَن بدأ في طلَبِ العلم في سنٍّ متأخِّرة وتفوق؟ بوركْتُم.
الجواب
إنَّ علم الشَّريعة له فروعٌ كثيرة، يَضيق عُمر الطَّالب عن بلوغ نِهايتها؛ نظرًا لتشعُّب طُرُقِها وكثْرة موارِدِها، ولقد كان العُلماء في الماضي يَسْعَون سعيًا حثيثًا للتمكُّن من جَميع علوم الشَّريعة التي تُبلغهم درجة الاجتِهاد، بِحيث يكونون في جَميعها قريبًا من السَّواء.
أمَّا في عصْرِنا هذا، فقد كثرت الشَّواغل، وقلَّت منابع العلم، وكثرت الفتن، ممَّا أدَّى إلى عدم تمكُّن الكثير ممَّن يطلُبون العِلْم مِنْ إدْراك فروعِه جميعًا؛ بل لا يتمكَّن أكثَرُهم من بلوغ الغاية في فنٍّ واحد.
ولذلك فإنَّ العلم بعد أن كان مَجموعًا بكامِلِه في صُدُور القُدماء صارَ تَخصُّصاتٍ، بِحيثُ يقال: هذا متخصِّص في التَّفسير، وهذا متخصِّص في الحديث، وهذا متخصِّص في الفقه، وهكذا.
أمَّا مسألة المفاضلة بين التَّخصُّصين المذكورين، فالأمرُ فيه شاقٌّ جدًّا؛ لأنَّ التَّفضيل سيكون بِحسب ميولِك وقُدُراتك، وبِحسب حاجة النَّاس إلى أحَدِ هذيْن العِلْمين بصورةٍ أكْبر من حاجتِهم للآخر، وبحسب أهمِّيَّة كلٍّ منهما.
أمَّا أهمِّيَّة هذَيْن العِلْمين، فلا غَناءَ للأُمَّة عنْهما جميعًا، فالعِلم ليس فيه صغيرٌ وكبيرٌ من حيثُ الأهمِّيَّةُ، بل كلُّ العلم مهمٌّ وكبير من حيثُ إنَّه يُزِيل الجهْل عن النَّاس، وكونه خادمًا لبقاء الشَّريعة، وغير ذلك.
لكنَّنا نفضِّل في هذا الزَّمان تعلُّم الفِقْه؛ نظرًا لحاجة النَّاس الماسَّة إليْه في شتَّى جوانب حياتِهم، ولأنَّ الأعْرافَ والعاداتِ تتغيَّر، والحوادث تزْداد يومًا بعد يوم، ممَّا يُوجِب على الأمَّة الاجتِهاد لإيجاد حلولٍ شرعيَّة لها.
ولعلَّ هذا القولَ يؤنسُه حديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن يُرِد الله به خيرًا يُفقِّهه في الدِّين، وإنَّما أنا قاسمٌ والله يُعْطي، ولن تزال هذه الأمَّة قائمةً على أمر الله لا يضرُّهم مَن خالَفهم حتَّى يأتيَ أمرُ الله))؛ رواه البخاري ومسلم.
قال المناوي في "فيض القدير": "أي: يُفَهِّمه علم الشَّريعة بالفِقْه؛ لأنَّه علم مستنْبَط بالقوانين والأدلَّة والأقْيِسة والنَّظر الدَّقيق، بِخلاف علم اللُّغة والنَّحو والصَّرف". اهـ.
وقال ابن الجوزي في "كشف المشكل": "الفِقْه: الفَهْم، وأوَّل مراتب الفقيه أن يفهم أصولَ الشَّريعة وموضوعها، فحينئذٍ يتهيَّأ له إلْحاق فرعٍ بأَصْل، وتشبيه شيْءٍ بِشَيْء، فتصحُّ له الفتوى، ثمَّ يرتقِي إلى فهْم المقصود بالعلم، فيصير حينئذٍ من عمَّال الله - تعالى - وذلك الفِقْه النَّافع". اهـ.
وقال السيوطي في الألفية:
ومع هذا، فإنَّنا نوصيك بأن تُوازني بين جَميع الأمور لاختيار التخصُّص؛ فعلم الفِقْه يَحتاج إلى همَّة عالية، وذِهْن متيقِّظ، وفراغ يمكن من طول الدراسة، كما يَحتاج إلى دراسة الكثير من العلوم المكمِّلة له، والمعينة عليْه، كالعلم بالأصول (أصول الفقه)، وأصولِ الحديث (المصطلح)، واللُّغة العربية، وفقْه الكتاب، وفقه السنَّة، والفقْه المذهبي، والفقه المقارن، وأقْوال السَّلف؛ فقد قال بعضُ السلف: "مَن لَم يعرف الخلاف فلن يشمَّ للفِقْه رائحة". اهـ.
أمَّا عن العُلماء الذين طلبوا العِلْمَ كبارًا، فيكفيكِ في هذا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعْلم الأمَّة ومعلم الخلق أجمعين، فقد نزل عليْه العِلْم بالوحْي عند سن الأربعين، ولئن قيل: هو رسول الله، وقد قال الله له: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: 6]، رُدَّ بأنَّ صاحبيْه أبا بكرٍ وعمر - رضِي الله عنْهما – كذلِك، بل أكثر الصحابة كذلك.
وقد ورد عن بعْضِ مَن نظَم في حقِّ الحسن بن زياد صاحِب أبي حنيفة:
وكان أكابر العُلماء يستمرُّون على حِفْظِهم إلى الموت، ولا يكْتفون بِما حفِظوه في أوَّل عمرِهم.
فهذا أحمدُ بن حنبلٍ كان النَّاس يقولون له كما في "السير": يا أبا عبدالله، أنتَ قد بلغتَ هذا المبلغ، وأنت إمامُ المسلمين، حتَّى متى مع المحبرة؟ فقال: "معَ المحْبرة إلى المقبرة".
وغير ذلك ممَّا ورَدَ في سِيَر العلماء الربَّانيين.
وفَّقكِ الله لما يُحِبُّ ويرْضى، وأخذ بناصيَتِك إلى البر والتقوى.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليْكم ورحمة الله وبركاته،
بعد انقِطاع طويلٍ عنِ الدراسة عُدتُ إليْها الآن، وقدِ اخترتُ مبدئيًّا تخصُّص التفسير إلاَّ أنَّ الجميع ينصحُني باختِيار الشَّريعة، وأنا محتارة أُريد أن أخْتار الأوْلى في حقِّي، خصوصًا أنِّي لنْ أتَمكَّن من دِراسة الشَّريعة إلاَّ عن طريق الجامعة، فهل أحوِّل من الآن إليْها أم أظلُّ في تخصُّصي الذي اخترْتُه؟
فقطْ أُريد الأوْلى في حقي وأنا في هذه السِّن.
الشِّق الثَّاني منَ الاستِشارة: فقط هل هُناك من العُلماء مَن بدأ في طلَبِ العلم في سنٍّ متأخِّرة وتفوق؟ بوركْتُم.
الجواب
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسولِ الله، وبعد:
فنسألُ الله أن يعلِّمك ما ينفَعُك، وأن ينفعَك بِما علَّمك، وأن يَزيدَك علْمًا.
إنَّ علم الشَّريعة له فروعٌ كثيرة، يَضيق عُمر الطَّالب عن بلوغ نِهايتها؛ نظرًا لتشعُّب طُرُقِها وكثْرة موارِدِها، ولقد كان العُلماء في الماضي يَسْعَون سعيًا حثيثًا للتمكُّن من جَميع علوم الشَّريعة التي تُبلغهم درجة الاجتِهاد، بِحيث يكونون في جَميعها قريبًا من السَّواء.
أمَّا في عصْرِنا هذا، فقد كثرت الشَّواغل، وقلَّت منابع العلم، وكثرت الفتن، ممَّا أدَّى إلى عدم تمكُّن الكثير ممَّن يطلُبون العِلْم مِنْ إدْراك فروعِه جميعًا؛ بل لا يتمكَّن أكثَرُهم من بلوغ الغاية في فنٍّ واحد.
ولذلك فإنَّ العلم بعد أن كان مَجموعًا بكامِلِه في صُدُور القُدماء صارَ تَخصُّصاتٍ، بِحيثُ يقال: هذا متخصِّص في التَّفسير، وهذا متخصِّص في الحديث، وهذا متخصِّص في الفقه، وهكذا.
أمَّا مسألة المفاضلة بين التَّخصُّصين المذكورين، فالأمرُ فيه شاقٌّ جدًّا؛ لأنَّ التَّفضيل سيكون بِحسب ميولِك وقُدُراتك، وبِحسب حاجة النَّاس إلى أحَدِ هذيْن العِلْمين بصورةٍ أكْبر من حاجتِهم للآخر، وبحسب أهمِّيَّة كلٍّ منهما.
أمَّا أهمِّيَّة هذَيْن العِلْمين، فلا غَناءَ للأُمَّة عنْهما جميعًا، فالعِلم ليس فيه صغيرٌ وكبيرٌ من حيثُ الأهمِّيَّةُ، بل كلُّ العلم مهمٌّ وكبير من حيثُ إنَّه يُزِيل الجهْل عن النَّاس، وكونه خادمًا لبقاء الشَّريعة، وغير ذلك.
لكنَّنا نفضِّل في هذا الزَّمان تعلُّم الفِقْه؛ نظرًا لحاجة النَّاس الماسَّة إليْه في شتَّى جوانب حياتِهم، ولأنَّ الأعْرافَ والعاداتِ تتغيَّر، والحوادث تزْداد يومًا بعد يوم، ممَّا يُوجِب على الأمَّة الاجتِهاد لإيجاد حلولٍ شرعيَّة لها.
ولعلَّ هذا القولَ يؤنسُه حديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن يُرِد الله به خيرًا يُفقِّهه في الدِّين، وإنَّما أنا قاسمٌ والله يُعْطي، ولن تزال هذه الأمَّة قائمةً على أمر الله لا يضرُّهم مَن خالَفهم حتَّى يأتيَ أمرُ الله))؛ رواه البخاري ومسلم.
قال المناوي في "فيض القدير": "أي: يُفَهِّمه علم الشَّريعة بالفِقْه؛ لأنَّه علم مستنْبَط بالقوانين والأدلَّة والأقْيِسة والنَّظر الدَّقيق، بِخلاف علم اللُّغة والنَّحو والصَّرف". اهـ.
وقال ابن الجوزي في "كشف المشكل": "الفِقْه: الفَهْم، وأوَّل مراتب الفقيه أن يفهم أصولَ الشَّريعة وموضوعها، فحينئذٍ يتهيَّأ له إلْحاق فرعٍ بأَصْل، وتشبيه شيْءٍ بِشَيْء، فتصحُّ له الفتوى، ثمَّ يرتقِي إلى فهْم المقصود بالعلم، فيصير حينئذٍ من عمَّال الله - تعالى - وذلك الفِقْه النَّافع". اهـ.
وقال السيوطي في الألفية:
وَكَتْبُهُ وَضَبْطُهُ حَيْثُ اسْتَعَدّْ وَإِنْ يُقَدِّمْ قَبْلَهُ الفِقْهَ أَسَدّْ
أي: كتابة الحديث بصورة تخصُّصيَّة تكون عند التهيُّؤ لها والقدرة عليْها، وتقديم الفِقْه عليْها أولى وأسدُّ.
ومع هذا، فإنَّنا نوصيك بأن تُوازني بين جَميع الأمور لاختيار التخصُّص؛ فعلم الفِقْه يَحتاج إلى همَّة عالية، وذِهْن متيقِّظ، وفراغ يمكن من طول الدراسة، كما يَحتاج إلى دراسة الكثير من العلوم المكمِّلة له، والمعينة عليْه، كالعلم بالأصول (أصول الفقه)، وأصولِ الحديث (المصطلح)، واللُّغة العربية، وفقْه الكتاب، وفقه السنَّة، والفقْه المذهبي، والفقه المقارن، وأقْوال السَّلف؛ فقد قال بعضُ السلف: "مَن لَم يعرف الخلاف فلن يشمَّ للفِقْه رائحة". اهـ.
أمَّا عن العُلماء الذين طلبوا العِلْمَ كبارًا، فيكفيكِ في هذا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعْلم الأمَّة ومعلم الخلق أجمعين، فقد نزل عليْه العِلْم بالوحْي عند سن الأربعين، ولئن قيل: هو رسول الله، وقد قال الله له: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: 6]، رُدَّ بأنَّ صاحبيْه أبا بكرٍ وعمر - رضِي الله عنْهما – كذلِك، بل أكثر الصحابة كذلك.
وقد ورد عن بعْضِ مَن نظَم في حقِّ الحسن بن زياد صاحِب أبي حنيفة:
وَلَيْسَ لِلْعِلْمِ أَوَانٌ فِي الطَّلَبْ وَابْنُ زِيَادٍ بَعْدَ سَبْعِينَ طَلَبْ
فقد رُوِيَ أنَّه بدأ في طلَب العلم بعد السَّبعين من عمره.
وكان أكابر العُلماء يستمرُّون على حِفْظِهم إلى الموت، ولا يكْتفون بِما حفِظوه في أوَّل عمرِهم.
فهذا أحمدُ بن حنبلٍ كان النَّاس يقولون له كما في "السير": يا أبا عبدالله، أنتَ قد بلغتَ هذا المبلغ، وأنت إمامُ المسلمين، حتَّى متى مع المحبرة؟ فقال: "معَ المحْبرة إلى المقبرة".
وغير ذلك ممَّا ورَدَ في سِيَر العلماء الربَّانيين.
وفَّقكِ الله لما يُحِبُّ ويرْضى، وأخذ بناصيَتِك إلى البر والتقوى.
للشيخ على ونيس
المصدر:موقع الالوكة
المصدر:موقع الالوكة
إيمان- عدد المساهمات : 29
تاريخ التسجيل : 16/07/2010
العمر : 26
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت سبتمبر 18, 2010 2:30 pm من طرف admin
» مفتي سوريا: النقاب عادة "دخيلة" تحولت الي "عبادة"
الإثنين سبتمبر 06, 2010 11:32 pm من طرف نور الهدى
» العشر الأواخر من رمضان
الثلاثاء أغسطس 31, 2010 4:11 pm من طرف admin
» السينما في عاصمة التوحيد
الإثنين أغسطس 16, 2010 7:52 am من طرف admin
» إعتذار من الشيخ علي ونيس
الثلاثاء أغسطس 03, 2010 10:14 pm من طرف على عبد المنعم
» الاستعداد لرمضان
السبت يوليو 31, 2010 11:13 am من طرف admin
» صورة للمجمع الإسلامي بطوخ
الخميس يوليو 29, 2010 3:51 pm من طرف admin
» الأزهر ينفي عزمه تطهير هيئة التدريس من السلفيين والاخوان
الخميس يوليو 29, 2010 3:27 pm من طرف admin
» الصارم المسلول
الخميس يوليو 29, 2010 2:43 pm من طرف admin